الوصول إلى قرية “شرار” لم يعد مستحيلا.. كيف جعلت تعاونيات أهالي القبيطة الحياة ممكنة؟

خاص-“بناء”:

“عندما قرر والدي العودة إلى مسقط رأسه بعد عقود من الغربة، قطع نصف مسافة الطريق الواقعة بين منزلنا و آخر نقطة اقلّته السيارة إليها مشيا على الأقدام، لكنه لم يتمكن من المواصلة بسبب صعوبة الطريق عليه كونه مريضا باحتكاك في مفاصل قدميه.. توقف فقررت الأسرة كاملة المجيء إلى حيث توقف، محاولين إيصاله قبل أن نفشل، فأمضينا جميعا ليلة كاملة معه في قمة الجبل، واليوم الثاني عاد إلى مدينة تعز”، هكذا يوضح فتحي الغساني أحد أهالي قرية شرار بمديرية القبيطة بمحافظة لحج جنوبي البلاد، في حديثه لـ”بناء”، عن الاحتياجات الكامنة وراء اطلاقهم مشروعهم التعاوني المتمثل في شق طريق (شرارة-ثوجان-الرماء) في أغسطس 2020 بطول 3 كيلو متر مربع، والذي مايزال العمل فيه متواصل حتى اللحظة.

في منازل معلقة وموزعة بين قمة منحدر جبلي وعر وقاع وادي لم يسبق أن وصلت إليه وسيلة مواصلات، يسكن أهالي قرية شرار الذين يتجاوز تعدادهم 1500 نسمة بحسب تقديرات محلية، ولسبب غياب الطريق يضطر الأهالي إلى نقل أمراضهم على نعوش الموتى للوصول إلى الطريق التي تقلهم إلى أقرب مركز طبي.

منذ منتصف أغسطس 2020 وبجهود ذاتية، تمكن الأهالي من شق 1500 متر من الطريق وجعلها جاهزة لعبور السيارات ووصلوها إلى منطقة نجد شرار كمرحلة أولى وبتكلفة تصل إلى 21 مليون وتسعمائة ألف ريال يمني، فيما يعملون حاليا على انجاز المرحلة الثانية بطول مماثل، بحسب فتحي الغساني، المسؤول المالي للمشروع.

تصاعد وتيرة العمل

ويلفت الغساني إلى أن انتشار صورة على وسائل التواصل الاجتماعي لأهالي المنطقة وهم يحملون على أكتافهم مريضة لإسعافها إلى مركز صحفي فوق أكتافهم، جعل الكثير من فاعلين الخير ورؤوس الأموال يلتفتون إلى مبادرتهم في شق الطريق ويسارعون في تقديم الدعم والتشجيع لإنجاحها الأمر الذي جعلهم ينجزون المرحلة الأولى من المشروع في أقل من ستة أشهر.

وحول المشكلات التي واجهتهم بالعمل، يوضح أن: التضاريس الوعرة للمنحدر الجبلي تعتبر من أبرز الصعوبات التي واجهتنا بالعمل، نحن نقوم بشق الطريق بين الصخور، ورص بعض المقاطع التي تحتاج إلى رص في مصب السيول بسبب نقص الإمكانيات حاليا، المشروع يحتاج إلى المزيد من الدعم لإكماله”.

ويلفت إلى أنهم دخلوا المرحلة الثانية من المشروع برصيد لا يتجاوز 6 مليون ريال، على الرغم من كون التقديريات تشير إلى حاجتهم لأموال تفوق ما صرفوه بالمرحلة الأولى لكي يتجنبوا التعثر وتوقف النشاط في المنتصف، موجها دعوته إلى السلطة المحلية بالمحافظة والصندوق الاجتماعي للتنمية و جميع رؤوس الأموال ومحبين التنمية وأهل الخير للوقوف معهم لتحقيق حلمهم المنشود بإكمال شق الطريق وايصالها إلى أخر نقطة في قراهم.

صور توضح معاناة أهالي منطقة “شرار” جراء غياب الطريق.

حصاد تعاوني

مشروع شق طريق (شرار-ثوجان-الرماء) وإن كان أحد أبرز المشاريع التعاونية التي تمحورت حول شق الطرقات في المديرية إلا أنه ليس الوحيد، حيث انجز وينجز خلال عام 2022، أكثر من ثلاثين مشروع ، حسب تقرير الحصاد التعاوني السنوي الذي اعده القائمين على المبادرات التعاونية وحصلت “بناء”، على نسخة منه.

من أبرز تلك المبادرات: مشروع شق طريق (شوحط- الربوع) بطول 1500 متر، أنجز الأهالي أكثر من 1000 ألف متر حاليا مع بناء جدران ساندة ويعملون على استكماله، ومشروع طريق المغنية الذي توزع العمل فيه على ثلاث قرى، ومشروع طريق الجدر نجد الوزف الذي تم رصف 3500 متر منه وغيرها من مشاريع شق الطرقات التي تعد كأولوية خدمية وتنموية لأهالي المديرية بحسب الدكتور ياسين عبد العزيز القباطي، أحد القائمين على المبادرات التعاونية في المديرية، في حديثه لـ”بناء”.

ويضيف الدكتور القباطي: “بالطبع قرى المديرية تحتاج للكثير من المشاريع في مجال التعليم والصحة والزراعة وغيرها من الخدمات إلا أن الطريق هي أساس لكل المشاريع وهي التعليم والصحة والتجارة والتنمية بشكل عام”، مشيرا إلى أن جذور العمل التعاوني في المديرية تعود إلى ” السبعينات ومطلع ثمانينات القرن الماضي، التي وصلت فيها الطرق الرئيسية إلى مركز المديرية وبعض مراكز العزل، إلا أن ما يميز المبادرات حاليا أنها ركزت على الطرقات الفرعية بين القرى والعزل”.

أكثر من 30 مبادرة متعلقة بالطرق تم العمل عليها في مديرية القبيطة بحسب تقرير الحصاد التعاوني السنوي لعام 2022.

على الرغم من تصدر الطرقات قائمة المبادرات التعاونية التنموية في المديرية حاليا، إلا انها ليس المجال الوحيد الذي عمل فيه الأهالي بجهد ذاتي وتعاوني، فبحسب تقرير الحصاد السنوي فقد تم إنجاز 15 مبادرة في مجال التربية والشباب تمحور حول بناء فصول دراسية وإعادة ترميم أخرى وتكريم الطلاب المتفوقين، فيما أنجزت 9 مبادرات في مجال الزراعة تمحورت حول زراعة مناطق جديدة في المديرية بأصناف من شتلات البن والشعير وغيرها من الأصناف التيل لم تكن تزرع في السابق، بناء حواجز وخزانات مائية وتوسعتها بالإضافة إلى تنظيم حملات تكريم المزارعين وتوزيع البذور، كما رصد التقرير انجاز بناء وترميم العديد من المساجد وأشاد بالكثير من الاعمال النبيلة.

الجدة لول

تفردت المبادرات التعاونية لأهالي القبيطة بمشاركة جميع أبناء المجتمع في دعمها وتحشيد الطاقات لإنجاح مشاريعها، بما فيهم الادباء والكتاب والأطباء ومختلف المهن، وذلك ما اكسبها زخما كبيرا ولمسة مميزة، حيث شارك الفنانين والشعراء  في إنتاج أغاني مشيدة بالعمل التعاوني، وأصبحت شخصية الجدة “لول” التي اختارها الكاتب عبده أحمد ناصر رمزا معبرا لمعاناة المرأة القباطية نتيجة لغياب الخدمات، وعلى لسانها يحفز الأهالي على بذل المزيد من الجهد التعاوني لجعل الحياة ممكنة لنساء وأطفال وشيوخ وجميع أبناء المديرية.

تقول الجدة لول مناشدة أهالي المنطقة بمأدبة محترمة للعاملين في شق أحد الطرقات: “دخل البرد واشتد وعيالي الشقاة راس جبل بين البرد ليل ونهار، والمشقاية  تشا لقمة تقويهم ، منوه شوفقه الله ينفق لوجه الله بذبيحة للشقاة، يطعموا هجمة مرق حامي ترد الروح، باكر خميس منوه شسمعني وشتفضل لوجه الله، شحفظه ربي وشحجي عليه “، الجدة لول تم تجسيدها كشخصية مسرحية من قبل أحد الشباب وتقوم بزيارة المشاريع والمبادرات التعاونية ويتم استقبالها بحماس وحفاوة !

بالإضافة إلى اكتساب العمل التعاوني زخما شعبيا وتحوله إلى فلكور شعبي، فإن الكثير من المبادرات التعاونية تميزت بتشجيعها على نشر الثقافة الإيجابية وشجعت على مكافحة زراعة وتعاطي القات بين المواطنين والشباب بالذات.

لأكثر من عقود أهملت السلطات المحلية والحكومات المتعاقبة معاناة أهالي مديرية القبيطة الناتجة عن غياب الطرق والخدمات التنموية في مناطقهم، الأمر الذي جعلهم كما غيرهم من اليمنيين يلجأون إلى العمل التعاوني كحل وحيد لحلحلة مايمكن حلحلته من مشاكل التنمية في مناطقهم التي يجمع معظم سكاناه اليوم أن الحياة فيها اليوم أصبحت ممكنة مع وصول الطرق للكثير من القرى وفي مقدمتهم قرية والد فتحي الغساني الذي تمكن من الوصول إلى منزله على متن سيارته الخاصة مطلع عام 2022، فيما يعمل الكثير من الأهالي ليلا نهارا لتحقيق ذلك الحلم الذي يحتاج إنجازه للمزيد من الدعم والتبني من قبل الجهات المعنية والتجار وجميع القادرين على الدعم.

المقالة التالية
سَدَّان بتكلفة 360 مليون ريال.. تعاونيات «كولة الزقري» مسيرة عُمرها القرية وقصتها الماء
المقالة السابقة
التعاونيات تشق النور إلى عتمة| طريق “قرم شقر مخلاف السمل” نموذجا

كتابات

حالة الطقس

+20
°
C
H: +22°
L: +14°
صنعاء‎
السبت, 27 كانون الثاني
أنظر إلى التنبؤ لسبعة أيام
الأحد الاثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة
+23° +23° +23° +22° +23° +22°
+14° +14° +14° +14° +14° +14°
شاهد أيضا