تحقيق-أحمد الكمالي:
تشهد اليمن حراكًا تنمويًا واسعًا ذا طابع تعاوني خلال سنوات الحرب، حيث بادر الأهالي، وبجهود ذاتية، لإنجاز المئات من المشاريع التي تركزت حول شق وتعبيد الطرقات، بدرجة أساسية، يليها إنشاء السدود والحواجز المائية وبناء وترميم المدارس، وغيرها من الجوانب التنموية التي تفتقر إليها مناطقهم، مسطرين ملحمة تنموية عظيمة تبيّن مدى عراقة الإنسان اليمني، وباعثين تجربة التعاونيات التي ازدهرت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، من ركام الحرب.
في مديرية شرعب السلام بمحافظة تعز، احتفاء أهالي المنطقة يوم الاثنين الموافق العاشر من شهر يونيو الجاري، بإكمالهم المرحلة الثالثة من العمل في مشروع “جسر نخلة” الاستراتيجي الذي يقع على طريق رئيسي يربط بين ثلاث محافظات يمنية هي كلا من تعز وإب والحديدة، وتم إنجازه بمبادرة مجتمعية من الأهالي.
وتكمن أهمية وجود مشروع الجسر من حقيقة ما خلفه غيابه من مآسي بفعل سيول الأمطار التي أودت بحياة العشرات من المواطنين وتسببت بالكثير من الأضرار في الممتلكات خلال السنوات الماضية، ففي منتصف شهر أغسطس من عام 2013، جرفت السيول موكب أحد الأعراس، ما أدى إلى وفاة 27 شخصا من أسرة واحدة، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب وسائل إعلام.

إحصاء المنجزات
خلال عام 2020 فقط، بلغت عدد المبادرات التنموية التي نُفذِّت في 13 محافظة يمنية، كان للطرق النصيب الأكبر منها بنسبة 59 %، يليها التعليم بنسبة 11 %، ثم المياه والزراعة والمبادرات الاجتماعية والصحة والبيئة والصرف الصحي والأوقاف، بنسب متفاوتة، بحسب الاحصائيات التي حصلت عليها «بناء» من قطاع تنمية المحليات بوزارة الإدارة المحلية في حكومة صنعاء.
الاحصائيات الرسمية وإن كانت مؤشرًا يدل على تصاعد العمل التعاوني، إلا إنها لا تعكس حجم ومدى النشاط المتصاعد لتلك المشاريع التنموية التي يقوم بها الأهالي في كل قرية، وبإجراء استعراض موجز لمجموعة من النماذج التعاونية التي رصدها فريق «بناء» في محافظات كتعز وإب والضالع وذمار وريمة، يتضح جزءٌ كبير من الصورة والعوامل الكامنة وراء ازدهار العمل التعاوني في تلك المناطق.
نماذج تعاونية
اضطرت أسرة المواطن فتحي الغساني، من أهالي قرية شرار في مديرية القبيطة بمحافظة لحج، أن تقضي ليلة كاملة في قمة جبل، عندما قرر والدها العدوة إلى مسقط رأسه بعد سنوات من الغربة، حيث اجتاز نصف المسافة من أخر نقطه أقلته سيارة المواصلات إلى منزله، مشيا على الأقدام قبل أن يفقد قدرته على مواصلته ذلك، نتيجة لمعاناته مع مرض احتكاك مفاصل القدم.
كان ذلك قبل تدشين الأهالي مبادرة لإيصال الطريق إلى قريتهم في أغسطس من عام 2020، والتي مازال العمل فيها بمرحلته الرابعة مستمر حتى اليوم، ويأمل القائمين على المبادرة أن تجد الدعم الذي يمكنهم من رفع كاهل المعاناة عن أهالي المنطقة.
في عام 2020 ذاته، كانت قد تشكلت أكثر من 120 مبادرة مجتمعية، في مديرية جبل حبشي بمحافظة تعز لوحدها، حسب بيان للسلطة المحلية هناك، شاركت تلك المبادرات في رصف 78 طريقًا بنحو 14 ألف متر في أكثر من 100 قرية، فيما نشطت العديد من المبادرات المماثلة في مديريات الريف الجنوبي للمحافظة أو ما يعرف ب«قضاء الحجرية»، أنجزت العديد من المشاريع، بعضها تتجاوز تكلفتها 400 مليون ريال، كمشروع رص طريق نقيل “عليافا” الرابط بين مديريتي المواسط والشمايتين، ووصلت الطرقات أيضا لأول مرة إلى عدة قرى في صبر وسامع والصلو ومقبنة وغيرها من مديريات المحافظة.
المغتربين
أسهمت تحويلات المغتربين اليمنيين في الخارج بجزء كبير من تمويل المبادرات التعاونية التي شهدتها البلد، فبحسب دراسة (قرى ديناميكية : عودة المبادرات المحلية إلى الجبال اليمنية، “مجلة جدلية”)، التي أجراها الباحث بشير المهلل على 56 قرية من قرى مديرية بعدان، التابعة لمحافظة إب، وسط البلاد عام 2019، فقد شكّلت اسهامات المغتربين 90 % من مصادر تمويل 44 مبادرة لشق وتعبيد الطرقات.
الأمر نفسه في مديرية الشعر المجاورة ومعظم مديريات المحافظة، حيث تجاوز مجموع تكاليف المبادرات التنموية التي أنجزت في الشعر خلال سنوات الحرب، الـ 5 مليارات، بحسب رئيس مشروع طريق (بيت الصيادي-الرضائي)، الشيخ مصلح دبوان، في تصريح سابق لوسائل الإعلام.
ويؤكد الباحث المهلل، في حديثه ل«بناء»، أنه لولا “تحويلات المغتربين، معظمهم في الولايات المتحدة ودول الخليج، ما كان توَفَّر للمبادرات الإمكانيات المادية للنجاح، وخاصة مبادرة رصف الطرقات التي تحتاج إلى قدرات مادية كبيرة، يصعب على المواطنين المحلين توفيرها”.
12 مليار تكلفة مشروع طريق جبل مطحن في مديرية وصاب العالي
سور ريمة ومواقع التواصل
إلى جانب الدور المتفرد والعظيم للمغترب اليمني في دعم المبادرات التعاونية، تمكن القائمون على تلك المبادرات من توظيف مزايا منصات التواصل الاجتماعي، لاستقطاب الداعمين والمتبرعين، وتشجيع الناس على العمل واستلهام الدروس من التجارب الناجحة، وإيصال رسائلهم إلى الجهات المختصة ووضع حلول للمشكلات التي تواجههم، إذا لا تكاد مبادرة واحدة من المبادرات التي أنجزت في محافظة ريمة، إلا واستفادت من تلك المنصات بشكل أو بآخر، بحسب تأكيد الناشط بالعمل التنموي، علي قائد الجبل، في حديثه ل«بناء».
لاقت الصور المتداولة للمشاريع التنموية، في قرى ريمة، رواجًا كبيرًا على منصات التواصل الاجتماعي، بالذات تلك الصورة التي تظهر بناء الأهالي للحواجز والجدران العملاقة لإسناد طرقهم الوعرة، كالسور المشهور ب “سور ريمة العظيم”، الذي شيّده أهالي منطقة الجعفرية بطول 160 متر وارتفاع 12 متر، ويسند طريق رئيسي لست قرى مكتظة بالسكان.
ويشير الناشط التنموي الجبل الذي ينشر على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي مستجدات المبادرات التعاونية في المحافظة إلى أن عدد المبادرات النشطة في المحافظة حتى نهاية 2021، بلغ 85 مبادرة، معظمها تتخذ من منصات التواصل الاجتماعي نافذة لحشد الدعم وشحذ الهمم والتعريف بالإنجازات.
وصاب قدوة
تتشابه منطقة وصاب بمحافظة ذمار كثيرًا مع ريمة، سواء بالتضاريس الجبلية الوعرة أو بالافتقار للخدمات، لذا كانت بمديرياتها العالي والسافل أولى المناطق اليمنية سبقا في تبني العمل التنموي، وتحول تكاتف أبنائها إلى قدوة يحتذى بهم في كل ربوع اليمن، فخلال عامي 2018-2019، أُنجز في مديرية وصاب السفلى 540 مبادرة اجتماعية بتكلفة مليار و230 مليون ريال بتمويل من المجتمع المحلي، فيما شارك الصندوق الاجتماعي للتنمية بنسبة 35 % من تمويل 260 مبادرة أخرى في نفس تلك الفترة.
أما في مديرية وصاب العالي فقد نشطت العشرات من المبادرات المشابهة، يأتي في مقدمتها مشروع (يحضر-جبل مطحن- خميس مطلق)، الذي يربط ثلاث محافظات يمنية هي ذمار وإب والحديدة ببعضها، وتقدر مسافته عند اكتمال إنجازه بـ 52 كيلو متر مربع وبتكلفة تصل إلى 12 مليار ريال يمني، وهو المشروع التعاوني الأضخم في اليمن قاطبة.
المشروع العملاق الذي أنجز 80% من مرحلته الأولى المتمثلة في شق الطريق، بحسب المنهدس المشرف العمل، نجيب المطحني، في حديثه ل«بناء» يتم وفق مخططات مرسومة من وزارة الأشغال ويراعي المعايير المتعارف عليها في إنشاء الطرق الرئيسية.
مشاريع مدروسة
الالتزام بالمعاير الفنية في إنجاز المشاريع نهجٌ سارت عليه معظم المشاريع التعاونية التي قام بها الأهالي، بالذات تلك المشاريع العملاقة المتمثلة في زفلتة الطرق والتي تتجاوز تكلفتها الملايين والمليارات من الريالات، كالتي شهدتها مديريات دمت وجبن في محافظة الضالع جنوبي البلاد أو تلك التي ازدهرت في يافع بلحج.
في مديرية جبن وحدها، حصل فريق بناء على قائمة لعشرين مبادرة تنموية في مجالات زفلتة الطرق وتشييد السدود وإعادة ترميم المساجد الأثرية وغيرها، تتجاوز تكاليفها مجتمعة 5 مليار ريال يمني، منها على سبيل المثال مشروع زفلتة طريق عزلة الخضيرة –حجاج بطول 9 كيلو متر وبتكلفة مليون وستمئة ألف دولار، كذلك «سَدُّ الحّمة» الذي سيكلِّف عند اكتماله حوالي 320 مليون ريال.
التعليم كان له نصيب أيضا من تلك المبادرات، كمشروع بناء مدرسة يهر للبنات المكونة من ستة فصول بتكلفة تفوق 170 مليون ريال، وتكفّل الأهالي بديمومة و استمرارية العمل التربوي عن طريق تسليم حوافز معينة للمدرسين في الكثير من عزل المديرية.
المشاريع التي تشهدها مديرية جبن وغيرها من مناطق البلد، ظلت تنتظر يد الحكومة تمتد إليها لمدة عقود من الزمن، بحسب تأكيد القائمين على تلك المبادرات لـ«بناء».
5 مليار تكلفة 20 مشروع تنموي في مديرية جبن بمحافظة الضالع
ويشير رواد العمل التنموي التعاوني إلى أن اندلاع الحرب ضاعف قناعتهم من استحالة أن تقوم الحكومات المنقسمة والمتصارعة، بواجباتها على الأمد القريب والمتوسط، الأمر الذي دفعهم إلى إيجاد حلول لمشاكلهم التنموية المتعثرة، يلهم أهالي كل منطقة في تبني ذلك الخيار، نجاح تجارب التعاون في غيرها من المناطق الأخرى وهكذا.
أضرار الحرب
الحقت الحرب التي شنها التحالف بقيادة السعودية على اليمن دمارا هائلا في البنية التحتية، حيث تجاوزت خسائر شبكة الطرق والجسور خلال ستة سنوات من الحرب، ثلاثة مليارات و665 مليون دولار بحسب وزارة الاشغال العامة والطرق في حكومة صنعاء، فيما قدّر البنك الدولي تكاليف إعادة إعمار اليمن بـ25 مليار دولار.
تركيز التعاونيات المحلية على مشاريع شق وإنشاء الطرق بالدرجة الأولى قبل أي شيء آخر، شيء طبيعي لكون الطرق هي الأساس في أي تنمية وهي الضامن لوصول باقي المشاريع، بحسب الصحفي الاقتصادي نبيل الشرعبي.
ويلفت الشرعبي إلى أن الميزة الأهم بالتعاونيات التي تتشكل حاليا هي التنظيمات الموازية وغير الرسمية التي يكونها الأهالي في مبادراتهم التعاونية والمتمثلة بمجالس القرى والجمعيات، والتي تؤسس لديمومة واستمرارية المبادرات وتعيد إلى المشهد هيئات التعاونيات خلال سبعينيات القرن الماضي، وأسهمت بازدهار التنمية في البلد حينها.
جذور تعاونية
يتفق معظم القائمين على المبادرات التعاونية الذين تواصل معهم معد التحقيق، على أن اتجاههم في هذا التوقيت للعمل التنموي، يمثل – بصورة أو بأخرى– تعبيرا عن مقاومتهم و رفضهم للحرب، أما لماذا اتخذت صورة الرفض هذا الشكل غير المسبوق بالدول التي تشهد ويلات الحروب والصراعات، وكيف استطاع المجتمع إعادة استجماع قواه وتشكيل نفسه والدخول في معترك التنمية، فذلك يمكن تفسيره بكون العمل التعاوني غير غريب على المجتمع، كما يؤكد أهالي قرية “كولة الزقري” بمديرية دمت محافظة الضالع، الذين شيدوا مؤخرا سدين بتكلفة تتجاوز 360 مليون ريال، لإنقاذ قريتهم من العطش.
بدأت قصة قرية “كولة الزقري” مع التعاونيات في مطلع سبعينيات القرن الماضي، وهي الفترة نفسها التي ازدهرت فيها التجربة بكافة مناطق الشطر الشمالي لليمن، حيث شكل الأهالي جمعية تعاونية لتوفير مشروع مياه للقرية حينها، وعلى عكس هيئات التطوير التعاوني التي انحسرت تجربتها، استمرت مسيرة تعاونيات القرية تؤمن حاجة القرية من المياه حتى اليوم.

تجربة أصيلة
عرف اليمن، في شطريه –قبل إعلان الوحدة – تجربة العمل التعاوني وإن تميزت بالشطر الشمالي أكثر عن الجنوبي، كونها حركة شكلها المجتمع لا السلطة، الأمر الذي يجعل التعاونيات التي تتخلق حاليا في أوساط الناس، كأنها انبعاث لنفس التجربة، وذلك صحيح بنسبة كبيرة جدا.
قصة اليمن مع العمل التعاوني ترويها سنوات ازدهار التنمية منذ مطلع السبعينيات حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، فبعد قيام ثورة 26 سبتمبر، وجد اليمنيون أنفسهم أمام تحديات تنموية حقيقية في كافة الأصعدة، وبدأت تتشكل ملامح العمل التعاوني، حسب ما تشير إليه المراجع التاريخية من مدينة تعز عام 1964.
مجموعة من الشباب يشكلون جمعية تتولى جمع التبرعات من التجار والداعمين لإنشاء مدرسة أو مستوصف، ثم ما لبثت أن انتشرت التجربة في مناطق مختلفة من آنس وحجة وذمار وغيرها، فيما كان العصر الذهبي للتجربة بعد تأسيس الاتحاد العام لهيئات التعاون الأهلي للتطوير ووصول حركة الـ13 من يونيو بقيادة الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي الى الحكم عام 1973.
أسهم الدعم الذي قدمته الدولة لهيئات التعاونيات التي كانت قد تشكلت في معظم المناطق تقريبا، في إنجاز التعاونيات خلال الفترة الممتدة ما بين 73 إلى 81، لأكثر من 6553 مشروع بتكلفة إجمالية بلغت مليار واربعمئة وثمانية وسبعون مليون ريال.
ازدهار
وجد القرار السياسي حينها في هيئات التعاون الأهلي أداة يمكن التعويل عليها لمقاربة ملفات التنمية المنعدمة في البلد، حيث عمدت الدولة على توفير الإمكانات الضامنة لتشكل العمل التعاوني وازدهاره سواء في مجال التشريعات أو توفير مصادر التمويل، فأتت النتيجة مذهلة، فمن 29 هيئة عام 73، ارتفع عدد هيئات التعاون الأهلي ووصل إلى 144 هيئة، نهاية عام 76.
ويرى الباحث في العلوم الاجتماعية محمد سردود، في حديثه لـ”بناء”، أن “قيام الاتحاد العام لهيئات التعاون الأهلي للتطوير كان له الدور الأكبر في تحقيق الإنجازات الضخمة التي حققتها الحركة التعاونية في المجال الخدمي في تلك الفترة”.
ويشير إلى أن أوجه الدعم الذي قدمته الدولة للحركة التعاونية تمثل في اصدار التشريعات التعاونية، وتأمين مصادر الدخل والمتمثلة بمنح الهيئات التعاونية المحلية 50 % من دخل الزكاة، و25 % من دخل البلدية وغيرها من الرسوم المحلية، بالإضافة فرض 2 % من الرسوم الجمركية، على السلع المستوردة، باستثناء الأدوية والغذاء، وإنشاء الصناديق والبنوك الخاصة بدعم العمل التعاوني، والأهم من ذلك كله، منحها الاستقلال المالي والإداري في تنفيذ أعمالها.
أسهم الدعم الذي قدمته الدولة لهيئات التعاونيات التي كانت قد تشكلت في معظم المناطق تقريبا، في إنجاز التعاونيات خلال الفترة الممتدة ما بين 73 إلى 81، لأكثر من 6553 مشروع بتكلفة إجمالية بلغت مليار واربعمئة وثمانية وسبعون مليون ريال، شارك فيها المواطنين بنسبة 85 % من إجمالي التكاليف، والهيئات التعاونية بنسبة 36 %، فيما تحملت الدولة 6 % فقط، حسب احصائيات الجهاز المركزي للتخطيط.
ويلفت سردود إلى أن ” التجربة التعاونية اليمنية، كانت نابعة من ظروف البلد، ومتميزة عن كل التجارب التعاونية في العالم، حيث أن هيئات التعاون لم تكن تعتمد على الاكتتاب الفردي، ونشاطها تنموي خدمي لا يهدف إلى الربح، وتمثل الإرادة الشعبية للمواطنين الذين ينتخبون إدارتها في كل مستوياتها، من المنطقة إلى الجمعية العمومية للاتحاد العام، فيما شملت جهودها كل جوانب التنمية.
انحسار وتصفية
استمرت هيئات التعاونيات الأهلي في أداء دورها التنموي التي وجدت لأجله، محققة دورا كبير في انجاز الخطط التنموية التي رسمتها الدولة طيلة فترة حكم الحمدي، وبعد اغتياله بدأت التجربة تواجه مؤشرات انحسارها.
عند تتبع مسار انحسار التجربة، يتضح أن قرار الدولة تشكيل المجالس المحلية كسلطات موازية للتعاونيات عام 78، كان المؤشر الأول لانحسارها، اعقبه بعد ذلك خطوات و قرارات استهدفت تقييد التجربة وإفراغها من مضمونها، حتى صدر القرار رقم (12) لعام 1985، الذي ألغى هيئات التعاون الأهلي بشكل كلي بعد دمجها مع المجالس المحلية للتطوير، و التي اخضعها القرار للسلطات التنفيذية وحولها من تجمعات أهلية مستقلة ماليا وإداريا إلى أجهزة رسمية، وحذف كلمة أهلية من “المجالس المحلية للتطوير الأهلي”، كإشارة صريحة إلى تبعيتها للحكومة بما يعني بوضوح إنهاء التجربة الشعبية الناجحة.
تداعيات
ويؤكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء ونائب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل في فترة الرئيس الحمدي، حمود العودي، في حديث خاص لـ«بناء»، أن “جريمة تصفية تجربة التعاون في ثمانينيات القرن الماضي، جاءت ثأرًا وغيرة، من قبل الأعداء السياسيين لإبراهيم الحمدي من جهة، وتكاتف القوى الرجعية التقليدية الفاسدة في المحليات من مدراء وحكام ومشايخ، لما مثلته التجربة من تهديد خطير لنفوذهم، بالإضافة إلى كبار السياسيين المرتبطين بالغرب الأوربي الذي رأى بالتجربة تقدم للتحول الاشتراكي في الشطر الشمالي من الوطن حينها”.
من جانبه يؤكد الوكيل المساعد لقطاع تنمية المحليات بوزارة الإدارة المحلية في حكومة صنعاء، الخليل القريشي، أن قرارات منظومة الحكم السابق التي ترتب عليه تصفية تجربة التعاونيات كانت مقدمة “لتسليم اليمن لسياسة البنك الدولي والسوق المفتوح، وتحويل المجتمع من مجتمع متعاون ومقتدر، إلى مجتمع اتكالي، ينتظر فتات المنظمات والجمعيات الخيرية، بما يترتب على ذلك من تداعيات كارثية على كافة الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية.
رؤية وخلاصة
وحول مساهمة الدولة في دعم النشاط التعاوني ورؤيتها لتطويره، يكشف القريشي لـ«بناء» أن الوزارة أنجزت دليلا لتنظيم وتطوير التعاونيات، وبموجبه سيتم تشكيل قطاع منفصل بالتعاونيات، ستكون مهمته إعادة تنظيم وتشكيل جمعيات تعاونية في كافة مناطق البلد، بالشكل الذي لا يفقد تلك التعاونيات صفتها الشعبية، ويوفر التشريعات والإمكانات اللازمة لعملها، ويعزز الثقة بينها وبين الدولة للإسهام في عملية البناء وإعادة الإعمار والتنمية”.
يمكن التعويل على ظاهرة التعاونيات التي تنشط في مختلف مناطق اليمن حاليا، في إحداث نهضة تنموية حقيقية تساعد البلد المثخن بالجراح والانقسامات على التعافي من الخسائر الاقتصادية والاجتماعية والخروج من مأزق الحرب، إذا ما توفَّر لها الدعم الكافي والمساندة في كافة الأصعدة المطلوبة من تشريعات ومصادر دخل وتشجيع، والأهم، ألا يتم عرقلتها وتصفيتها كما حدث في التجربة الماضية.
هامش:
نشر في صفحة المنصة في تاريخ 22 يناير 2023.