تقرير-“بناء”:
لاقت صور ومقاطع الفيديو التي تظهر لحظة عبور المواطنين طرفي منفذ طريق (الحوبان-مدينة تعز) لأول مرة بعد عشر سنوات من إغلاقه عقب اندلاع الحرب، ترحيبا وتفاعلا كبيرا من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن، وسط حالة من الارتياح الشعبي والتفاؤل بأن يصبح الحدث لحظة مفصلية وفارقة في تاريخ الحرب ويؤدي لمعالجة جذرية لملف الطرقات المغلقة وخطوة تدفع باتجاه تحقيق السلام وإعادة الاستقرار إلى البلد.
إعادة افتتاح طرقات تعز جاء عقب مبادرات أحادية اطلقتها سلطات الطرفين في محافظة تعز خلال فترات متباينة، ونتيجة لمحصلة طويلة من جهود الوساطات المحلية التي يقوم بها شخصيات اجتماعية واكاديميين وناشطين بمبادرات، وتكللت مؤخرا بفتح الطرقات في كلا من محافظات مأرب وتعز، لتسجل اختراقا إيجابيا لافتا للمشهد السياسي السائد منذ اندلاع الحرب والصراع، يكون فيه للمجتمع ممثلا بالمبادرات المجتمعية والجهات الفاعلة فيه دورا في تقريب وجهات النظر وفرض الأولويات الإنسانية للمواطن اليمني على طاولة سياسيو الحرب.
وجاءت مبادرة فتح طرقات تعز، بعد أيام من عبور موكب “السلام والرايات البيضاء”-وساطة محلية- الطريق الرابط بين محافظتي البيضاء ومأرب، في مشهد جذب اهتمام ومتابعة السواد الأعظم من اليمنيين وشجع في تبني سلطات الطرفين مبادرات لفتح الطرقات في العديد من المحافظات الأخرى.
دور الوساطة المحلية
“لعبت الوساطة المحلية طوال التسعة الأشهر الماضية، دورا مكثفا لتقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع في محافظة تعز من خلال تسهيل التواصل بينهم، وهو ما أوجد تطمينات متبادلة تمكنت من تجاوز الكثير من العراقيل والمخاوف حتى وصلت الأمور إلى النتائج الملموسة اليوم والمتمثلة بفتح الطرقات، كما تم حشد رأي مجتمعي بأهمية إعادة فتح الطرقات، إضافة إلى تحرك شخصيات اجتماعية وأكاديمية بمبادرات واحده تلو الأخرى بغرض الضغط وإحراج الأطرف في قبول ذلك”، بحسب رئيس الفريق الوطني للوساطة المحلية، المحامي عبدالله سلطان شداد، في تصريح لـ”بناء”.
ويشير الوسيط المحلي شداد إلى أن “تعاطي الطرفين سواء الجهات العسكرية أو السلطات المحلية مع جهود الوساطة كانت إيجابية وبنائه وعند مستوى المسؤولية في التعاطي مع هذا الملف الإنساني الذي يمس حياة جميع أبناء المحافظة، وسيستفيد منه المسافرين من عموم محافظات الجمهورية”.
وحول سؤال “بناء”، لرئيس الفريق الوطني للوساطة المحلية عما الذي يجب اتخاذه من قبلهم كوساطة محلية وأطراف الصراع للحفاظ على المكسب الذي تحقق في تعز وكذلك في مأرب، يؤكد المحامي شداد على أهمية “استمرار تواجد الوسطاء المحليين إلى جانب قيادات الأطراف والقيادات الميدانية وحل أي إشكاليات قد تطرأ، كما نهيب بمسؤولي الأطراف بالتعامل بمسؤولية وحرص مع الاستحقاق المجتمعي المتمثل بحقهم التنقل بكل حرية”.
“لعبت الوساطة المحلية طوال التسعة الأشهر الماضية، دورا مكثفا لتقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع في محافظة تعز من خلال تسهيل التواصل بينهم، وهو ما أوجد تطمينات متبادلة تمكنت من تجاوز الكثير من العراقيل والمخاوف حتى وصلت الأمور إلى النتائج الملموسة اليوم والمتمثلة بفتح الطرقات”
جهود ودعوة
بالرغم من محدودية القدرات للوساطات المحلية والوضع السياسي المعقد، إلا أنها واصلت جهودها في تقريب وجهات النظر وتمكنت من تحقيق اختراقات في ملفات إنسانية عدة، ضمنها تنفيذ العديد من عمليات صفقات تبادل الأسرى والمعتقلين، بالإضافة إلى جهود انتشال جثامين أطراف الصرع، ومن ثم تسليمها للأهالي والتي تزيد عن ثلاثة آلاف جثة، بالإضافة إلى ما حققته مؤخرا في ملف فتح الطرقات.
ويدعو الوسيط المحلي شداد، أطراف الصراع إلى “التعامل مع الوساطة المحلية بحسن نية، وتسهيل مهمتها، والابتعاد عن التشكيك في أن ثمة من يعمل لصالح طرف ضد طرف، والابتعاد عن التخوين أو التقليل من أهمية الجهود المحلية، بل يجب النظر إليها بأنها الرافد الحقيقي في حل الخلافات الكبيرة، التي لن تقتصر على حل خلافات الملفات الإنسانية فقط، بل يمكن للوساطة المحلية إذا ما تم دعمها وتمكينها بأن تلعب دورًا مهمًا في الملف الاقتصادي، الذي بات يهدد اليمن كوطن ومواطن، والأمر ذاته في الملف السياسي”.
مع افتتاح طرقات تعز ومأرب وإعلان مبادرات لفتح طرقات في محافظات أخرى، تتصاعد قناعة الكثير من اليمنيين بكون النجاحات التي حققتها الوساطات المحلية في ملفات الطرقات وغيرها من الملفات الإنسانية، تقدم دليلا عمليا بأنه إذا ما اصطف المجتمع اليمني خلف جهود الوساطات المحلية فإنه قادرا على انتزاع المزيد من حقوقه التي سلبتها الحرب، فيما يذهب المتفائلون أكثر إلى الجزم بكون حل الصراع السياسي لن يأتي إلا من الداخل اليمني”.