عبد الله حيدرة-“بناء”:
بعد أقل من عام من انتهاء تشييد السد الأول (نوفمبر 2020)، شَرَعَ أبناء منطقة كولة الزقري بمدينة دمت، محافظة الضالع (280 كم جنوب العاصمة صنعاء)، ببناء السَّد الثاني في قريتهم المشهورة بالتعاونيات، التي أروتها قديمًا وحديثًا.
باتساع يحوي 130 ألف لتر مكعب من المياه، شُيِّدَ سد (المبهاء) بتكلفة إجمالية تصل إلى 130 مليونا ريال، فيما سيتسع السد الثاني اللحجين الذي ما يزال العمل فيه جاريا لـ 150 ألف لتر مكعب من المياه ، وبتكلفة تقدر بـ230 مليون ريال يمني، قضى هاذين المشروعين العملاقين على مخاوف سكان القرية من الجفاف الذي أصاب أراضي المنطقة في السنوات الأخيرة، وقدّم حلّا لأزمة المياه التي ضيّقت أنفاس أهالي القرية الذين يصل عددهم الأربعة ألف نسمة، حسب إحصاءات محلية، بجانب العديد من القرى والمناطق المجاورة.
نضوب الحوض المائي
“بدأ الحوض المائي الموجود في المنطقة ينضب شئيا فشئيا خلال السنوات العشر الأخيرة، ومع ارتفاع تكلفة المشتقات النفطية، وصل الأمر إلى درجة أنه لا يخرج من الماء ما يساوي تكلفة المشتقات النفطية”، يوضح سعد الزقري، أحد سكان القرية في حديثه لـ«بناء»، وهي الظروف التي دفعت أهالي القرية للبحث عن مصدرٍ بديل للمياه، لتكون النتيجة، تشييد سد المبهاء بعد نضوب الآبار الجوفية التي تمد شبكة المياه في القرية.
ويضيف، “لما يقارب عشر سنوات، جرّبنا كل الطرق للحصول على مصادر مياه سواء عبر الشراء من مناطق بعيدة أو بناء خزانات مائية أو حفر آباء جوفية جديدة فيما وصل الأمر بالعديد من الأسر إلى مغادرة المنطقة للاستقرار في أماكن أخرى، وكل الحلول كانت ناقصة أو غير ذات جدوى فما أن يأتي وقت الجفاف آخر كل عام، حتى تدخل القرية بأزمة البحث عن مياه.
لإيجاد حلول جذرية لأزمة المياه في القرية التي تنقسم تضاريسها إلى وادي خصب بالتربة، تحيطه الشعاب الجبلية من ثلاثة اتجاهات، وتبعد عن وادي بناء الشهير بمسافة قليلة لا تزيد عن ثلاثة كيلو متر، بل أن شعابها تعتبر أحد موارده، قرّر أهالي القرية بتوسيع الحاجز الركامي الصغير الموجود في شعب المبهاء إلى سد ركامي كبير، يسهم في تغذية الآبار الجوفية.
أول سد ركامي في المنطقة
يشير المهندس المتابع للمشروع، عاصم الزقري، في حديثه لـ«بناء»، أن سد المبهاء هو أول سد ركامي في مديرية دمت والمنطقة الوسطى، شُيّد بمقاييس هندسية وزراعية تجعله يوفر تغذية مناسبة للآبار الجوفية في المنطقة والقرى المجاورة، حيث بني من خليط من أحجار متدرجة الحجم من نفس المنطقة مع نسبة 15% من الطين، تم دكها بمعدات ثقيلة باستثناء الستارة الخلفية والأمامية للسد التي صبت بمواد خرسانية”.
ويشير إلى أن القرية لم تشهد بعد امتلاء السد الذي تحملت الجزء الأكبر من تكاليفه الجمعية التعاونية للقرية والمغتربين، أي نقص في المياه التي باتت توصل إلى كل منزل في القرية دون انقطاع، بعد شراء الجمعية التعاونية منظومة ألواح شمسية لتوفير الطاقة المناسبة للمشروع، والأقل كلفة من المشتقات النفطية، التي تتراوح أسعارها وتتصاعد، بفعل الازمات التي تعيشها البلد، نتيجة الحرب المفروضة عليها من قبل التحالف الذي تقوده السعودية منذ أكثر من سبعة أعوام.

مسيرة مزدهرة
للعمل التعاوني في قرية كولة الزقري مسيرة طويلة من الازدهار، فهو يكون تاريخ القرية، ويحكي قصتها مع الماء خلال خمسة عقود منذ تشكيلهم جمعية تعاونية لأبناء القرية، منتصف سبعينيات القرن من الماضي، كواحدة من مظاهر تجربة التعاونيات التي انتشرت في كافة مناطق الشطر الشمالي من اليمن حينها، وحققت قفزة عظيمة في التنمية.
سِرُ صمود تعاونيات قرية كولة الزقري، من بين المئات من الهيئات والجمعيات التعاونية التي تأسست في تلك الفترة حتى اللحظة، يأتي في الترابط الاجتماعي الوثيق الذي يمتاز به أهالي القرية فيما بينهم، بالإضافة إلى اتجاه الجمعية للاستثمار بشراء الأراضي والعقارات في إمارة عجمان بالإمارات العربية المتحدة، ومناطق عديدة بمحافظتي الحديدة والضالع، بحسب الشيخ عدنان الزقري، أحد الشخصيات الاجتماعية في القرية والمشرفة على عمل جمعية الآباء والأجداد، في حديثه ل«بناء».
ويشير الزقري إلى أن الجمعية التعاونية التي أسسَ ودعمَ المغتربون نواتها الأولى، قد تصل نسبتهم اليوم إلى نصف السكان المتواجدين حاليا في القرية، و انها أسهمت في خدمة أبناء القرية بجوانب مختلفة، منها الاجتماعية كتوفير فرص عمل ومساعدات والتكفل بدراسة الطلاب، ومنها التنموية، كمشاريع المياه التي نفذتها مطلع الثمانينيات وتعيد تطويرها اليوم ببناء السدود والحواجز المائية.
للعمل التعاوني في قرية كولة الزقري مسيرة طويلة من الازدهار، فهو يكون تاريخ القرية، ويحكي قصتها مع الماء خلال خمسة عقود
قرية نموذجية
بفضل الجمعية التعاونية لقرية كولة الزقري، التي يغلب على بنائها ونمط حياة أهلها الطابع الريفي الممزوج بالمدنية الحديثة، كانت في مطلع الثمانينيات القرية الأولى في مديرية دمت، و لربما بالمناطق الوسطى كاملة، التي تدخل معدات لحفر الآبار الارتوازية الجوفية إليها، وتستكمل مد شبكة ومشروع مياه إلى كل المنازل، وتصبح مقصدا مفضلا للتزود بالماء لكافة المناطق المحيطة، لما تمتاز به مياه القرية الواقعة بالقرب من سيل بناء ، من عذوبة وشهرة ذائعة.
ويشير المشرف على بناء الحواجز المائية الشيخ عدنان الزقري، إلى أن بِناء سد اللحجين بتكلفة واتساع مضاعف عن سد المبهاء ، جاء بعد النتائج الايجابية التي لمستها القرية والمتمثلة في استصلاح الأراضي الزراعية حول منطقة السد الأول وزراعتها بمحاصيل الذرة الشامية والقمح والطماطم وغيرها كمحاصيل تحاول القرية استعادة زراعتها، بعد سيطرة شجرة القات على معظم مزارعها.
و يلفت إلى أن الجمعية متجهة في السنوات القادمة إلى تشييد سد ثالث في القرية، ستكون تكلفته واتساعه أكبر عن مجموع الأول والثاني، وسيتيح فرص استثمارية سياحية بإنشاء منتجعات سياحية حوله.
أصبحت قرية كولة الزقري، نموذج يحتذى للعمل التعاوني في محافظة الضالع، التي شهدت خلال السنوات الماضية، انجاز العشرات من المبادرات التنموية التعاونية، في مجالات السدود واستصلاح الأراضي وشق الطرق وتعبيدها وزفلتتها، كالطريق التي تم زفلتتها في وسط مدينة دمت، ومثلها في جبن وغيرها، والتي تأتي جميعها في ظل توجه المجتمع اليمني مؤخرًا إلى اللجوء إلى إعادة تبنّي تجربة العمل التعاوني كحلٍ لا بد منه، لمشاكله التنموية العالقة منذ عقود، والمتراكمة بفعل الحرب المفروضة على البلد.