مبادرة شباب الحجرية.. الأمل الذي أطل على ريف تعز

تقرير-أحمد عارف:

على غرار المبادرات التعاونية التي قام بها الأهالي، خلال سنوات الحرب، واستفادت من منصات التواصل الاجتماعي، لحشد الدعم والتبرعات اللازمة لإنجاز المشاريع الخدمية، جاءت انطلاقة مبادرة شباب الحجرية كثمرة من تلك المنصات يستفيد منها الأهالي في مناطق ريف تعز الجنوبي.

بدعوة أطلقتها (نوال النعمان) الحساب الشهيرعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لإصلاح وترميم الخط الرابط بين مدينتي تعز والتربة في منتصف عام 2019، كانت ولادة المبادرة التي قادت حراكا مجتمعيا واسعا لتعبيد أكثر الطرق وعورة في مديريات المواسط والشمايتين والمعافر وغيرها من مناطق مديريات الحجرية (أكثر من 300 كيلو متر جنوب العاصمة صنعاء)، الأمر الذي جعلها في صدارة المبادرات القادرة على حشد الطاقات و إشراك السلطة ورجال الأعمال وتكييف الظروف المختلفة لصالح انجاز مشاريعها الخدمية التي استفاد منها مئات الآلاف من أهالي تلك المناطق المكتظة بالسكان.

لفت انتباه

بعد تصدُّر المبادرة العمل في إعادة ترميم الخط الرابط بين مدينتي تعز والتربة ومنها إلى عدن، وانجازها إعادة ترميم جزء كبير من الطريق بتكلفة وصلت 19 مليون ريال، لفتت المبادرة انتباه السلطات المحلية في المحافظة ودفعتها لتبني إصلاح الخط الحيوي المهم، فيما استمرت المبادرة بتذليل الصعاب أمام مؤسسة الطرق بتوفير وشراء الديزل و الأسفلت من صندوق المبادرة، إصلاح معدات المؤسسة وصيانتها ومتابعة المشروع أولًا بأول.

فور إعلان السلطة المحلية تقديم مناقصتها لإصلاح خط تعز- التربة، توجهت المبادرة إلى شق ورص نقيل “عليافا “الرابط بين مديريتي المواسط والشمايتين مطلع عام 2020، كان الأمر بمثابة طرْق المستحيل، لكون نقيل عليافا 4 كيلو متر من التضاريس الجبلية الوعرة التي ظلت كماهي عليه منذ توقف محاولة التعاونيات في مطلع الثمانينيات عن شقها وتعبيدها ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منها ولو من باب الاستثمار في الدعاية الانتخابية!

خط تعز-التربة.

مأسسة وتنظيم

قبل الحديث عن مشروع نقيل عليافا، لابد من الإشارة إلى أن المبادرة التي أطلقتها وترأستها “نوال النعمان”، كانت قد قطعت، في وقت قياسي، شوطا كبيرا في التوجه نحو مأسسة عملها وتنظيمه بكل شفافية، حيث أقرت أدبيات عمل، وعيّنت هيئات تنظيمية وتنفيذية يرأسها مديرٌ تنفيذي، إدارات قانونية، فنية، مالية وحسابات، رقابية، صيانة ومتابعة، مخازن، إعلام، ضابطو عمل ميدانيين، وغيرها من الإدارات اللازمة، ويقودها شباب متخصصون بتلك الوظائف، بالإضافة إلى كوكبة من المستشارين، تضم شخصيات و وجاهات اجتماعية وسياسية، وناشطين من مختلف المكونات السياسية، انخرطوا بالعمل التعاوني مع المبادرة بشكل مباشر وغير مباشر.

التزمت المبادرة مبدأ الشفافية في العمل، حيث تخضع مناقصاتها في المشاريع للمفاضلة، تقارير يومية ودورية عن الإنجازات والعقود مع المقاولين والتبرعات التي تأتي إلى حساباتها البنكية المعلنة، أقرت تشكيل لجان اجتماعية من الأهالي للرقابة على عملها في الميدان، اجتماعات دورية لقيادتها التي يعمل جميع أفرادها كمتطوعين، ما عدا المشرفين الميدانيين على المشاريع الذين يتم صرف رواتب معينة لهم، لإعانتهم على انجاز المهام.

كل ذلك التنظيم أكسبها ثقة المجتمع الذي التف حولها والتجار ورؤوس الأموال والشركات التجارية واعتراف وشراكة من السلطة والمنظمات وجعلها أكثر قدرة على صنع التأثير.

لنعد إلى مشروع عليافا، ولكن بالحديث عن مدينة التربة (تبعد 113 كيلو متر مدينة تعز)، تتبع إداريا مديرية الشماييتن وتعد مركز تجمع حضري لمديريات الريف الجنوبي كافة، حيث فيها فرع لجامعة تعز يدرس فيه المئات من طلاب تلك المناطق وأكبر مستشفيات أرياف تعز كافة، والعديد من المنشئات والمراكز التجارية، وهي كذلك مدينة صانعة للأحداث والتطورات السياسية والاجتماعية.

أصبح لمبادرة شباب الحجرية مَلكة خاصة وفريدة في استجلاب الداعمين لأي مشروع

عليافا

عليافا هو النقيل أو الجبل أو القدر- سَمّه ما شئت- الفاصل بين التربة و مديريات المواسط ومنها الصلو وسامع وحيفان، إنه العقبة التي لطالما تمنى طلاب تلك المناطق اجتيازها للوصول مبكرا إلى الجامعة وبتكلفة مادية ونفسية مريحة، الصخور المتراكمة الجاثمة على نفوس المرضى القاصدين مستشفى خليفة للعلاج، الحلم شبه المستحيل الذي حولته مبادرة شباب الحجرية إلى واقع.

“عندما توجهت مبادرة شباب الحجرية إلى عليافا، كان في صندوق المبادرة ثمانية مليون ونصف فقط، بدأنا العمل وإنجاز مقاطع من 500 متر، ثم اتجهنا نحو استجلاب الشركاء والداعمين”، بحسب المدير القانوني للمبادرة عبد الناصر المغلس، في حديثه لبناء، مشيرًا إلى أن مشاركة المبادرة في المشروع الذي تجاوزت تكلفته 400 مليون ريال وشارف على الانتهاء، كانت قرابة 17 مليون ريال بكيلو متر من أصل أربعة كيلو، فيما تكفلت المبادرة باستجلاب الداعمين والتنسيق مع العديد من المنظمات والسلطة المحلية والمجالس الأهلية التي كانت شريكة في إنجاز المشروع.

 

مَلكة خاصة

أصبح لمبادرة شباب الحجرية مَلكة خاصة وفريدة في استجلاب الداعمين لأي مشروع، حيث تبدأ المبادرة في العمل بالمشروع بإمكانياتها المحدودة، وبالتزامن مع خطوها الخطوة الأولى في المشروع، تكون قد جندت كل إمكانياتها من إعلام ونفوذ محلي و شخصيات لطرق أبواب الدعم، لمواصلة إنجازه، لا تشترط تقديم الدعم عبر صندوقها فقط في أي مشروع، حيث يمكن للجهة الداعمة أن تباشر العمل بنفسها في المشروع وفق الدراسات الفنية المرسومة، فيما يتكفل شباب المبادرة والأهالي بالإشراف والمتابعة وتذليل الصعوبات.

بارقة أمل

بعد أن رأى الناس منجزات المبادرة واقعا ملموسا على الأرض في عليافا، ناشدت إحدى نساء قرية الجزع، بمنطقة الاهجوم، بمديرية المواسط، أو ما كان يعرف بطريق الموت، نوال النعمان، ومبادرة شباب الحجرية إلى الالتفات لمعانتهم الناتجة عن غياب أي طريق يوصل إلى قراهم، أربعة آلاف نسمة في قرى جبلية منسية عن العالم يحملون أكياس القمح على ظهورهم، من مناطق بعيدة إلى بيوتهم، بسبب غياب الطرق.

سرعان ما لبَّت المبادرة النداء، ووصلت الطريق إلى تلك القرى بتكلفة 15 مليون، وهكذا استمر التناسق بين الناس والمبادرة، وتنوعت المشاريع ترميم جسور وحبر آبار، بناء منازل لأيتام وفقراء، تشجيع مواهب شابة، وخطط لمشاريع مستقبلية تستهدف إنشاء سدود ضخمة، أحدها ستصل تكلفته إلى 500 مليون، وشق طرق بديلة وفرعية، فيما يطمح رواد المباشرة إلى توسع نطاق عملهم إلى مناطق مختلفة من الحجرية وتعز كافة، كل ذلك تحقق في ظروف استثنائية تمر بها محافظة تعز ومناطق الحجرية بشكل خاص من توترات وصراعات لم تعد تخفى عن أحد.

المبادرة التي جاءت كبارقة أمل في ليل مظلم هي “امتداد أصيل لمعاناة شعب ينشد الأمن والأمان والتنمية ويكره الحرب والصراعات”، بحسب مديرها القانوي عبد الناصر مغلس.

المقالة التالية
طريق جبل المطحن: المشروع التعاوني الأضخم في اليمن
المقالة السابقة
سَدَّان بتكلفة 360 مليون ريال.. تعاونيات «كولة الزقري» مسيرة عُمرها القرية وقصتها الماء

كتابات

حالة الطقس

+20
°
C
H: +22°
L: +14°
صنعاء‎
السبت, 27 كانون الثاني
أنظر إلى التنبؤ لسبعة أيام
الأحد الاثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة
+23° +23° +23° +22° +23° +22°
+14° +14° +14° +14° +14° +14°
شاهد أيضا