طريق جبل المطحن: المشروع التعاوني الأضخم في اليمن

أحمد الكمالي-“بناء”:

بتكلفة تصل 12 مليار ريال يمني وبطول يتجاوز خمسين كيلو متر، يكون مشروع طريق “جبل المطحن” المشروع الأضخم بين كل المبادرات التنموية ذات الطابع التعاوني التي شهدتها اليمن خلال سنوات الحرب.

المشروع العملاق الذي انطلق سنة 2019، كمبادرة ذاتية من قِبل أهالي عزلة جبل المطحن بمديرية وصاب العالي- ذمار ( 130 كيلو جنوب صنعاء )، طوّع واحدة من أكثر التضاريس الجبلية وعورة في البلد، مارًّا بالعديد من الوديان الكبيرة، و سيربط عند اكتمال إنجازه بين ثلاث محافظات هي: ذمار، الحديدة، إب، و مختصرا الزمن والتكاليف لمئات الآلاف من المسافرين والتجار المتوقع استفادتهم منه، وسيخرِج العشرات من المناطق التي سيمرفيها من عزلتها، بعد عقود من التجاهل نتيجة لغياب الإرادة والرؤية التنموية لدى صانع القرار السياسي الذي أدار الدولة طيلة المرحلة الماضية

 الطريق الذي يربط بين ثلاث محافظات يمنية، يبلغ طوله 52 كيلو متر وتقدر تكلفة إنجازه عند اكتماله بـ 12 مليار ريال

“الكثير من أهالي وصاب الذين يهاجرون إلى محافظات مجاورة أو دول خارجية، لا يعودون لزيارة مساقط رؤوسهم إلا بالنادر، بسبب المشقات والمخاطر التي يجدونها في الطرق الوعرة المؤدية إلى تلك المناطق المفتقرة أصلا لأبسط المشاريع اللازمة للاستقرار، كالمدارس والمراكز الصحية والكهرباء والانترنت” بحسب سلمان، أحد أهالي منطقة جبل المطاحنة بمديرية وصاب العالي، في حديثه لبناء عن الدوافع والاحتياجات التي تقف خلف تجاوبهم مع مبادرة شق  الطريق التي أطلقها أحد وجاهات المنطقة.

ويرجع سلمان الفضل الكبير في فكرة شق الطريق، و رؤيتها النور إلى تبنيها من قبل شخصيات اجتماعية وازنة في جبل مطحن، مشهود لها بالبذل والنزاهة والتفاني في خدمة الناس، الأمر الذي شكّل التفاف واسع من قبل الناس حولهم، لإنجاح المشروع، حيث توزعت مشاركة الأهالي بين تقديم الدعم المادي، أو توفير التسهيلات للعمل، كتنازل بعضهم عن مزارهم واملاكهم التي جرفها الطريق.

ويوضح صاحب فكرة الطريق ورئيس المشروع الشيخ منصور المطحني، في حديثه ل«بناء» كيف جاءت فكرة المشروع، بالقول: “بدأتْ الفكرة بإنشاء طريق فرعي يوصل بين عزلة جبل المطاحنة و آخر نقطة تربطها في خط الحسينية-ذمار المتعثر، ثم اهتدينا إلى أهمية إنجاز مشروع تستفيد منه كافة المناطق التي كان من المفترض أن يمر بها المشروع المتعثر والبلد بشكل عام، انشائنا مجلس لإدارة المشروع و استقدمنا الفرق الهندسية المختصة من وزارة الاشغال وشرعنا بالعمل في سبتمبر عام 2019”.

الحسينية-ذمار

في العام 1982م وضع حجر الأساس لمشروع طريق ذمار – الحسينية الاستراتيجي (254 كيلو) الذي يربط بين مديريات عنس، عتمة، وصابين من محافظة ذمار، والحسينية من محافظة الحديدة كمشروع في غاية الأهمية لمئات الآلاف من أبناء هذه المناطق، وتكمن أهميته بتكوين جسر اتصال من الطرق تربط البحر الأحمر غربا بالبحر العربي جنوبا.

كان من المفترض إنجاز المشروع المُدرج على قائمة (الخطة الخمسية الثانية للتنمية) بحلول عام 1986، لكن، و لأكثر من خمسة عقود، ظل المشروع متعثرا في منطقة وصاب ولم يتم استكماله، على الرغم من إقرار الدولة عدة موازنات بمئات الملاين من الدولارات لإنجازه، قبل أن يبادر أهالي وصاب لاستكمالها بأنفسهم.

وحول سؤال “بناء” رئيس المشروع منصور المطحني، عن تفاعل الدولة والمنظمات ودورها في إنجاز الطريق، يوضح: “دخلنا باتفاق مع الدولة ممثلة بحكومة الإنقاذ الوطني والمجلس السياسي الأعلى (في صنعاء) ينص على أن ينجز الأهالي بقدر امكانياتهم المرحلة الأولى من المشروع، والمتمثلة بشق الطريق، فيما تتكفل الدولة باستكمال مراحل إنشاء الجسور والعبرات وزفلتته”.

بموجب الاتفاق قدم رئيس (المجلس السياسي الأعلى) مهدي المشاط دعما للمشروع بمئة مليون ريال عبر صندوق صيانة الطرق. تم من خلالها إنشاء جسر في سائلة وادي سورة بمبلغ 33 مليون ريال، فيما لم يستكمل الصندوق العمل بباقي القرض حتى اللحظة، بحسب المهندس المشرف على المشروع، نجيب المطحني، في حديثه لبناء.

وعن التكلفة الاجمالية للمشروع والمراحل التي أنجزت حتى اللحظة، يقول نجيب: ” إن التكلفة الاجمالية للمشروع ستصل إلى 12 مليار ريال، وبالنسبة للمرحلة الأولى المتمثلة في شق الطرق فقد تم إنجاز ما يقارب 85 % منها، فيما أصبح لدينا اليوم 12 كيلو متر من طول المشروع جاهزة للزفلتة”، وينوّه إلى أن تكلفة ما تم إنجازه بالمرحلة الأولى “تقدر بملياري ريال، فيما كانت ستكون مضاعفة لو لم يكن القائمون على المشروع من الأهالي.

ويشير نجيب إلى أن المشروع يتم وفق مخططات مُقَرَّة من وزارة الاشغال العامة والطرق، وبمواصفات متعارف عليها لإنشاء الطرق الرئيسية الرابطة بين المحافظات، كونه سيربط بين خط ذمار- الحسينية وكذلك خط العدين- الجراحي.

 

صعوبات

ويلفت إلى أن الصعوبات الفنية التي تواجههم بالعمل متمثلة بالتضاريس الجبلية في منطقة وصاب بالإضافة إلى الوديان التي يمر بها المشروع كوادي (عَنَّة) ووادي زبيد، وهي وديان ومنحدرات تحتاج إلى الكثير من الجسور والعبّارات التي تحتاج إلى إكمال التمويل المرصود للمشروع، و يضيف أن التمويل هو أبرز المشكلات التي تواجه العمل، حيث تسبب في توقف العمل أكثر من مرة.

ويذكر: “الآن، يحتاج المشروع لإكماله تماما بالشكل المخطط إلى 10 مليار ريال. نحن نواصل البحث عن مصادر تمويل، لدينا تصميم كبير على إنجازه، نحتاج إلى تكاتف الجميع معنا سواء الحكومة أو القطاع الخاص، لتوفير الدعم اللازم لاستكماله. لدينا آلية عمل شفافة للمشاركة، وبإمكان أي جهة داعمة أن تتكفل بتنفيذ مراحل معينة من المشروع، بتمويل مباشر منها، ونحن نقدم كل التسهيلات لذلك”.

في مثل هذه الحالة و غيرها، فإنه يتحتم على الحكومة وجميع البيوت التجارية والبنوك ورؤوس المال في البلد أن تتحمل مسؤولياتها، و تقوم بالمبادرة لتقديم الدعم المناسب لإنجاح هذه المشاريع التعاونية الاستراتيجية، و هذه الطريق التي ستخفف أعباء الملايين من اليمنيين، وسيظل هذا المشروع رمزا خالدا لكفاح اليمنيين وتعاونهم لعصور لاحقة، وأمام جميع اليمنيين اليوم، فرصة لمشاركة أبناء وصاب في إضافة لحرف الثلاثين في  خطوط المسند على جبال وسهول ووديان حمير.

المقالة التالية
ريمة شموخ الأرص والإنسان اليمني
المقالة السابقة
مبادرة شباب الحجرية.. الأمل الذي أطل على ريف تعز

كتابات

حالة الطقس

+20
°
C
H: +22°
L: +14°
صنعاء‎
السبت, 27 كانون الثاني
أنظر إلى التنبؤ لسبعة أيام
الأحد الاثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة
+23° +23° +23° +22° +23° +22°
+14° +14° +14° +14° +14° +14°
شاهد أيضا